حقق علماء تطور كبير في طريقة محاربة مرض الحصبة من خلال تطوير لقاحات ستقضي على المرض إلى الأبد.
واكتشف علماء أمريكيون كيف يمكن للجسم المضاد المعدل (أجسام مضادة تدافع عن الخلايا ضد العوامل الممرضة أو الجزيئات المعدية عبر تعديل أي تأثير حيوي تحمله، وتُفقد هذه الجسيمات قدرتها على العدوى أو الإمراض) أن يمنع الفيروس شديد العدوى.
وأوضحوا أنه عندما يلتقي فيروس الحصبة بخلية بشرية، تتضح الآلية الفيروسية لتكشف عن الأجزاء الرئيسية التي تسمح له بدمج نفسه في غشاء الخلية المضيفة. وبمجرد اكتمال عملية الاندماج، تصبح الخلية البشرية "هالكة" وتنتمي إلى الفيروس.
وعمل العلماء في معهد لا جولا لعلم المناعة (LJI) في كاليفورنيا على تطوير لقاحات وعلاجات جديدة ضد الحصبة توقف عملية الدمج هذه وفق روسيا اليوم.
ومرض الحصبة شديد العدوى ينتقل عبر الهواء، وهو يصيب الأطفال أكثر من غيرهم. وعلى الرغم من الجهود المكثفة المبذولة في مجال اللقاحات، ما يزال الفيروس يشكل تهديداً صحياً كبيراً.
وتسببت الحصبة في وفاة نحو 136 ألف شخص حول العالم في عام 2022، وكان معظم الضحايا من الأطفال دون سن الخامسة الذين لم يتلقوا التطعيم نهائياً أو لم يتلقوا التطعيم الكافي.
وقالت البروفيسورة سافير: "تتسبب الحصبة في وفيات الأطفال أكثر من أي مرض آخر يمكن الوقاية منه باللقاحات، كما أنها واحدة من أكثر الفيروسات المعدية المعروفة".
وأضاف الدكتور زيلا: "اللقاح الحالي يعمل بشكل جيد، لكن لا يمكن أن تتناوله الحوامل أو أولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة".
ولا يوجد علاج محدد للحصبة، لذلك يبحث العلماء عن أجسام مضادة لاستخدامها كعلاج طارئ للوقاية من المرض الشديد.
واستخدم فريق العلماء مؤخرا تقنية تصوير تسمى المجهر الإلكتروني بالتبريد لإعطاء صورة مفصلة عن كيفية قيام الجسم المضاد القوي بتحييد الفيروس قبل أن يكمل عملية الاندماج.
وقالت البروفيسورة إيريكا أولمان سافير من معهد لا جولا لعلم المناعة: "الأمر المثير في هذه الدراسة هو أننا رصدنا لقطات لعملية الاندماج أثناء العمل. إن سلسلة الصور تشبه كتاباً مطوياً حيث نرى لقطات طوال عملية نشر بروتين الاندماج، ولكن بعد ذلك نرى الجسم المضاد يربطه ببعضه البعض قبل أن يتمكن من إكمال المرحلة الأخيرة في عملية الاندماج".
وتابعت: "نعتقد أن الأجسام المضادة الأخرى ضد الفيروسات الأخرى ستفعل الشيء نفسه ولكن لم يتم تصويرها بهذه الطريقة من قبل".
ويقول فريق البحث إن اكتشافهم "الواعد" الذي نُشر في مجلة Science، قد يكون مهما خارج نطاق الحصبة لأنه مجرد عضو واحد في عائلة فيروسات Paramyxovirus الأكبر، والتي تشمل أيضا فيروس "نيباه" القاتل.
وقال المؤلف الأول للدراسة، الدكتور داود زيلا، باحث ما بعد الدكتوراه في معهد لا جولا لعلم المناعة: "ما تعلمناه عن عملية الاندماج يمكن أن يكون ذا صلة طبيا بفيروسات نيباه وفيروسات نظير الإنفلونزا البشرية وفيروس هيندرا. وجميعها فيروسات ذات قدرة وبائية".
ولفهم كيفية اندماج فيروس الحصبة مع الخلايا بشكل أفضل، لجأ فريق البحث إلى جسم مضاد يسمى mAb 77. ووجدوا أن mAb 77 يستهدف بروتين الاندماج السكري الخاص بالحصبة، وهو جزء من الآلية الفيروسية التي تستخدمها الحصبة لدخول الخلايا البشرية، عبر عملية متخصصة تسمى الاندماج.
وقام العلماء بالتحقيق بدقة في كيفية مكافحة الجسم المضاد للفيروس، ووجدوا أن mAb 77 يوقف الفيروس في منتصف عملية الاندماج.
والآن بعد أن عرفوا كيفية عمل mAb 77، يأمل فريق البحث أن يتم استخدام الجسم المضاد كجزء من "كوكتيل" علاجي لحماية الأشخاص من الحصبة أو لعلاج المرضى المصابين بعدوى الحصبة النشطة.
وفي تجربة متابعة، أظهرت النتائج أن mAb 77 يوفر حماية "كبيرة" ضد الحصبة في نماذج فئران مصابة بفيروس الحصبة.
ويسعى الفريق الآن إلى دراسة الأجسام المضادة المختلفة ضد الحصبة، حيث يقول الدكتور زيلا: "نود إيقاف الاندماج في مراحل مختلفة من العملية والبحث عن فرص علاجية أخرى".
أعراض الحصبة
يعد مرض الحصبة واحداً من الأمراض المعدية الفتاكة التي عادةً ما تصيب الأطفال.
وبعد فترة حضانة تمتد من 10 إلى 12 يوماً، تأتي الحصبة في شكل حمى، وسعال، وأنف مزكوم، إلى جانب عيون حمراء دامعة، وكذلك تشيع أعراض فقدان الشهية والتوعك، وبعد عدة أيامٍ من ظهور تلك الأعراض الأولية.
يبدأ انتشار الطفح الجلدي المزعج في كامل أنحاء الجسم، بدءاً من الوجه والرقبة نزولاً إلى الأسفل، وعادةً ما يستمر هذا الطفح لمدة 3 إلى 5 أيامٍ ثمَّ يتلاشى، وفي الحالات البسيطة، يبدأ الأشخاص المصابون بالحصبة في التعافي بمجرد ظهور الطفح الجلدي، ويشعرون بالعودة إلى حالتهم الطبيعية في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لكنَّ قرابة 40% من المرضى يعانون من مضاعفاتٍ ناجمة عن الفيروس، وعادة ما تظهر في الصغار (الأطفال دون سن الخامسة)، وفي البالغين (فوق 20 عاماً)، وفي أي شخصٍ آخر يعاني من سوء التغذية أو نقص المناعة.
يذكر أنَّ الأطفال دون سن الخامسة أكثر احتمالاً للتعرض للوفاة.
ويتمثل أحد المضاعفات الأكثر شيوعاً للحصبة في الالتهاب الرئوي، الذي يمثل السبب وراء معظم حالات الوفاة المرتبطة بالحصبة، وفي حالات أقل شيوعاً، يمكن أن تؤدي الحصبة إلى الإصابة بالعمى، أو مرض الخناق، أو قرحة الفم، أو التهابات الأذن، أو الإسهال الحاد، بل قد يتطور الأمر لدى بعض الأطفال ويصابون بالتهاب الدماغ (تورم في المخ)، والذي يمكن معه ظهور التشنّجاتٍ أو فقدان السمع، فضلاً عن التأخر العقلي.
ومجدَّداً، تظهر تلك المضاعفات في الغالب لدى الأشخاص الذين ضعفت أجهزتهم المناعية بسبب التقدم في السن، أو الأمراض المسبقة، أو سوء التغذية، ووفقاً لمراكز مكافحة الأمراض واتقائها، فإنَّ الاحصائيات المرعبة تفيد بأنَّ واحداً من كل 20 طفلاً مصاباً بالحصبة يصاب بالتهاب رئوي، وواحد من كل 1000 يصابون بالتهاب الدماغ، ويموت طفلٌ واحد أو طفلانِ من كل 1000 طفل.
• إرسال تعليق
• تعليقات المتابعين