الإسكندرية ليست مجرد مدينة ساحلية في مصر؛ إنها بوابة للتاريخ والتعددية الثقافية ومزيج من الجنسيات والأعراق. ولا عجب في ذلك فقد كانت تلك المدينة التي أسسها القائد المقدوني الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد عاصمة مصر وأهم مدن البحر المتوسط قديما، وحتى دخول القائد العربي عمرو بن العاص عام 641م (21هـ) مصر وتحول عاصمتها إلى الفسطاط، التي أصبحت اليوم جزءاً من القاهرة العاصمة الحالية.
في الشتاء، تتميز الإسكندرية بهدوء نابض بالحياة، حين تنخفض درجات الحرارة، ويصبح الطقس معتدلاً مع نسمات بحرية منعشة، ويختفي زحام المصطافين المعتاد، مما يجعل المدينة مثالية للتجول والاستكشاف دون عناء الصيف.
أهم الأماكن التي تستحق الزيارة عند مجيئك للإسكندرية
أهم وأشهر أحياء الإسكندرية التي تعكس تاريخها وثقافتها الشعبية، كانت هذه المنطقة موطنًا لفنار الإسكندرية العظيم، أحد عجائب الدنيا السبع، الذي كان يضيء للملاحة في الميناء الشرقي.
وعندما تهدم الفنار بسبب الزلازل المتعاقبة، بُنيت قلعة قايتباي في نفس موقعه، مستخدمة بعضًا من أحجار الفنار. تأسست القلعة في نهاية عصر المماليك خلال القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) بأمر من السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، وكانت جزءًا من منظومة التحصينات الدفاعية لمصر لحمايتها من التهديدات البحرية عموما، وضمنها تهديدات العثمانيين، حيث تطل مباشرةً على البحر.
اليوم، تُعتبر القلعة واحدة من أبرز معالم الإسكندرية التاريخية وحي بحري على وجه الخصوص، ويمكنك الاستمتاع بجولة داخل القلعة لاستكشاف تفاصيلها المعمارية، وكذلك زيارة متحف الأحياء المائية على بعد خطوات منها، والذي يعرض نماذج لبعض الكائنات البحرية التي تعيش في مياه الإسكندرية.
أما إذا كنت تفضل الهواء الطلق، فيمكنك الجلوس على الصخور الضخمة المصممة لصد الأمواج بينما تستمتع بصوت البحر. يمكنك أيضًا تجربة ركوب "الفلوكة"، وهي قارب صغير يُدار بالمجاديف، للتجول في الميناء الشرقي ومشاهدة القلعة من زاوية مختلفة.
المنشية هي قلب الإسكندرية النابض بالحياة ومركزها التجاري، تعود أسواقها إلى العصور العثمانية، حيث كان سوق الترك وسوق المغاربة ملتقى للتجار القادمين من الشرق إلى الغرب. لاحقًا، عُرفت المنطقة بـ"ميدان القناصل"، الذي أصبح مقرًا لتجمع التجار الأجانب ومركزًا للنشاط التجاري في المدينة.
يتوسط الميدان تمثال برونزي لمؤسس مصر الحديثة، محمد علي باشا، محاطًا بحديقة تضفي عليه طابعًا كلاسيكيا. أحد أبرز معالم المنشية هو سوق الذهب، حيث تنتشر محلات الصاغة القديمة التي تعرض مشغولات ذهبية أنيقة. ومن هناك، لا تفوّت زيارة "زنقة الستات"، أشهر شوارع المنشية. ورغم أن الكثيرين يظنون أن اسمه يعود لضيق مساحته، فإن كلمة "زنقة" في الأصل مغربية وتعني "حارة صغيرة".
وتشتهر المنشية أيضًا بأسواقها الشعبية، مثل سوق السبع بنات وشارع فرنسا، التي تمزج بين البضائع التقليدية والشعبية والتذكارية. تزداد هذه الأسواق بريقا وجذبا خاصة عندما ترتدي ثوب الاحتفال بشهر رمضان الكريم، حيث تتحول إلى مهرجان شعبي يمتلئ بالأضواء والزينة، حيث يتوافد الناس من كل مكان لشراء احتياجاتهم وسط أجواء مفعمة بالحيوية.
محطة الرمل تعد واحدة من أبرز مناطق وسط الإسكندرية التي تحتفظ برونقها التاريخي ومبانيه ذات الطراز الأوروبي القديم. تتألق المنطقة بميدانها الذي ينطلق منه ترام الإسكندرية الشهير، وتزدحم بالمقاهي القديمة ومطاعم المأكولات المتنوعة، والمحال التجارية التي تعرض منتجات عصرية وكلاسيكية.
وأما شارع فؤاد، فهو أحد أقدم شوارع الإسكندرية المتفرعة من محطة الرمل، ويتزين بمبانيه ذات الطراز الكلاسيكي الأوروبي. التجول في هذه المنطقة يأخذك في رحلة إلى الماضي، حيث يمكنك أن تشاهد تفاصيل معمارية رائعة باعتباره وجهة مثالية للمشي وبخاصة ليلا.
يعج الشارع بالمباني التاريخية الراقية، والمسارح مثل مسرح سيد درويش أو أوبرا الإسكندرية، ويتفرع منه شارع النبي دانيال معقل الكتب والمجلات الثقافية في الإسكندرية، بالإضافة إلى المطاعم التي تقدم مأكولات متنوعة في أجواء هادئة وفخمة.
يُعد المتحف اليوناني الروماني من أعرق متاحف الإسكندرية، وقد أعيد افتتاحه مؤخرًا، وهو من أقدم المتاحف المخصصة لحضارة اليونان والرومان في العالم. يعرض هذا المتحف تاريخ الإسكندرية خلال العصرين اليوناني والروماني وكذلك العصر البيزنطي.
سترى عند زيارته مجموعة بديعة من آثار هذه العصور القديمة في رحلة تاريخية عبر الزمن وشواهده من التماثيل، والقطع الأثرية النادرة، والعملات، والمومياوات التي تُبرز حضارة الإسكندرية في تلك الفترة. كما يمكنك الجلوس للاستراحة في ساحته الخارجية الفسيحة المطلة على شارع فؤاد.
• إرسال تعليق
• تعليقات المتابعين