عمل ألكسندر ماكناب صحفياً ومحرراً وناشر مجلات في منطقة الشرق الأوسط، نحو أربعة عقود، وهو معروف بكونه كاتباً لروايات الإثارة، التي تدور أحداثها في منطقة الشرق الأوسط والمملكة المتحدة وأيرلندا، في حين أن شغفه في استكشاف تاريخ الإمارات، قاده إلى اكتشاف قصص مذهلة.
وتحت عنوان «أبناء الرمال السبعة»، يسلط ماكناب الضوء على التاريخ الإنساني لدولة الإمارات، وتنوع تراثها الغني، فيقدم قصة الإمارات، أرضاً وشعباً من ظهور الإنسان المعاصر حتى يومنا هذا، في مجلد واحد شامل، في دراسة تجمع بين البحث الدقيق والخبرة العملية المكتسبة من معايشته المنطقة.
جلسة نقاشية
كتاب «أبناء الرمال السبعة»، كان محور جلسة نقاشية، استضافتها مكتبة محمد بن راشد أمس الأول في سياق برنامجها الثقافي، وضمن عنايتها بتاريخ الدولة
يقول ماكناب عن كتابه: كتاب يروي القصة الكاملة لتاريخ الإمارات، ولا ينطلق من الماضي القريب، وإنما من بدايات التاريخ البشري، فيتعرض لمراحل قديمة مثل العصر البرونزي.
والعصور القديمة، والعصر الإسلامي، والعصر الحديث، ليس هنالك جهد بحثي أخذ على عاتقه أن يغطي تاريخ الإمارات الشامل والكامل عبر العصور.
علماء وبعثات
وفي معرض الحديث عن الأساس الوثائقي لكتابه، أشار ماكناب إلى أن علماء الآثار والبعثات الأثرية يترددون منذ عقود على الإمارات، ويقومون بعملهم ينقبون ثم يغادرون إلى بلدانهم، وفي النهاية يوثقون جهودهم وخلاصات التنقيب في بحوث تودع في جامعاتهم ومعاهدهم.
ولكنهم لا ينشرونها هنا، في الإمارات، وهذا ما كان يجدر بهم أن يفعلوه، فالمعرفة التي تحصلوا عليها من التنقيب، تنتمي إلى هذا المكان، ومن باب أولى أن يعتنوا بأن تكون متوافرة هنا.
ولفت ماكناب إلى أهمية رواية التاريخ بطريقة مشوقة، لخلق اهتمام به لدى الإنسان العادي، فمعرفة التاريخ بلا شك أمر غاية في الأهمية، وفيما يستشهد بمقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي تقول: «من ليس له ماضٍ، ليس له حاضر ولا مستقبل»، يؤكد ضرورة إتاحة المعرفة بالتاريخ لعامة الناس.
اكتشاف
وعن فكرة إعداد كتابه، الذي تم إعلانه في مهرجان الإمارات للآداب في الأول من فبراير الجاري، قال ماكناب إنه في سنة 1994 حينما جاء أول مرة إلى «قرية البثنة» الواقعة في وادي حام، بين مسافي والفجيرة، وكان حينها يعمل في مجلة، اكتشف أنه تم العثور من قبل البعثات الآثارية على العديد من المقابر الجماعية التي يعود تاريخها إلى نهاية الألف الثاني وبداية الألف الأول قبل الميلاد أي قبل ثلاثة آلاف عام.
وقال: «إثر ذلك أدركت أن هناك عمقاً تاريخياً في هذه المنطقة، ومع مرور الوقت، ومع مواصلتي الاهتمام بتاريخ المنطقة، بدأت الصورة تتشكل في عقلي وتتكامل، وأيقنت أن تاريخ المنطقة مذهل، وأنها تحتضن إرثاً رائعاً، وهذه هي القصة التي سعيت إلى سردها في كتابي.
والتي تتسم بالشجاعة الفريدة، والإقدام، والشغف الذي يعود إلى آلاف السنين، ويمتد حتى فجر الإنسانية». وتابع ماكناب عن كتابه: «إنها قصة مهمة للغاية، قصة مذهلة، قصة فيها كل ما في التاريخ، فيها السعادة، فيها الرخاء، فيها الشجاعة والجرأة».
بناء الإنسان
ويسجل ماكناب تقديره للآباء المؤسسين لدولة الإمارات، فيقول: «في سنة 1971 غادر البريطانيون، ولكنهم لم يتركوا وراءهم أي مؤسسات أو بنية تحتية، لا للصحة ولا للتعليم ولا للمالية أو الاتصالات والمواصلات، ولم يكن للبلاد عملتها الخاصة، وقد أدرك الإماراتيون حينها، أن الشيء الأهم الذي يملكونه هو المستقبل.
ولذا وجهوا جهودهم نحوه، نحو المستقبل، وسعوا إلى خلق أمة، وإنشاء البنية التحتية والتعليم والصحة والطرق، وبناء الدولة والإنسان، وبناء الإنسان هو الأصعب، وجزء من هذا أن تكون لديك المعرفة في شأن من أنت، ومن أين جئت، وما تاريخك، من هنا تبرز أهمية التاريخ الذي يسرده هذا الكتاب».
وفي السياق ذاته، يلفت ماكناب إلى الدور الاستثنائي الذي اضطلعت به المرأة الإماراتية، وما زالت تضطلع به إلى اليوم، في سياق الحياة العامة، وصناعة التاريخ، لافتاً إلى أن في ماضي الإمارات وحاضرها الكثير من النساء، اللواتي يمثلن شخصيات تاريخية بامتياز.
قصة كبيرة
وعما إذا كانت هناك خطط لترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، أشار إلى أنه ليس لديه هذه الخطط، فهذا يخرج عن نطاق اختصاصه، ولكنه يرحب بترجمته، ولا سيما أن «أبناء الرمال السبعة» يقدم صفحات التاريخ وافية، ويصعب أن يعثر المرء عليها، جميعاً معاً، في كتاب واحد.
ولفت إلى الأهمية الاستثنائية لتاريخ الإمارات، فيشير إلى أنه لطالما كانت الإمارات، ودبي على وجه الخصوص، منذ خمسة آلاف عام مركزاً تجارياً في العصر البرونزي يربط بين حضارات بلاد الرافدين، وبلاد فارس، ووادي السند، ومع حلول العصر الحديدي تطورت المنطقة لتصبح مركزاً للابتكار الزراعي والاجتماعي.
إضافة إلى أنها شهدت ظهور مدن كبرى قبل الإسلام من مليحة في صحراء الشارقة، إلى «الدور» في ساحل أم القيوين، التي كانت مدينة كبيرة، حتى أكبر من لندن.
وختم ماكناب: «إن كل شيء أثري، مهما كان صغيراً، في هذا البلد، يروي قصة كبيرة؛ ولذا، فإن استكشاف تاريخ هذه المنطقة، سيضفي المزيد من المعاني على المواقع الأثرية الموجودة، وسيضيء أكثر وأكثر على القصة الساحرة والمثيرة لدولة الإمارات».
• إرسال تعليق
• تعليقات المتابعين