تتفاقم أزمة السُمنة والوزن الزائد في أوساط الأطفال على مستوى العالم، وهو ما يزيد من الأمراض التي يواجهونها، فيما يبدو أن العالم قد فشل في مكافحة هذه الظاهرة التي تتفاقم وتُسبب الكثير من المتاعب للناس.
وقال تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" الأميركية، واطلعت عليه "العربية نت"، إن السمنة هي واحدة من أخطر أزمات الصحة العامة في العالم حالياً، فهي تزيد من مخاطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والسكتة الدماغية وبعض أنواع السرطان.
ولفت التقرير الى أنه منذ عام 1990 تضاعفت المعدلات العالمية للسُمنة بين البالغين وتضاعفت أربع مرات بين الأطفال، حيث يُصنَّف اليوم أكثر من مليار شخص، بما في ذلك 7% من الفتيات و9% من الأولاد، على أنهم يعانون من السُمنة.
وفي عام 2019، أدى ذلك إلى حوالي 5 ملايين حالة وفاة، أي ما يعادل 20 ضعف عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية.
ولم تعد السمنة مشكلة تقتصر على العالم الغني فحسب، فمعدلات السُمنة في أوساط الأطفال هي الأعلى في جزر المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي، وترتفع بشكل أسرع في البلدان النامية مثل كمبوديا وليسوتو.
وفي العام الماضي، قدر معهد الدراسات المالية، وهو مركز أبحاث بريطاني، التكاليف السنوية للبالغين الذين يعانون من زيادة الوزن والسُمنة من خلال نفقات الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية الرسمية والخمول في العمل، حيث أشار الى أن هذه التكاليف الباهظة المترتبة على الوفيات المرتبطة بالسُمنة تصل إلى نحو 32 مليار جنيه إسترليني (41 مليار دولار أميركي)، أو 1% من الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا.
ويقول الخبراء إنه رغم أن إخبار البالغين بما يجب عليهم أن يأكلوه ومتى يجب عليهم أن يتحركوا قد يُنظَر إليه باعتباره تدخلاً، فإن الحكومات لابد وأن تحاول منع الأطفال من أن يصبحوا بدناء وتشجيع جهودهم في إنقاص الوزن. والواقع أن التدخلات المبكرة قد تجني الفوائد في وقت لاحق، فالأطفال الذين يعانون من السمنة أكثر عرضة للإصابة بالسمنة في مرحلة البلوغ بخمس مرات من أقرانهم الأكثر نحافة.
عوامل عدة والنتيجة واحدة
وتقول "إيكونوميست" إن المشكلة التي تواجه العالم اليوم هي أنه لا يوجد أية دولة نجحت حتى الآن في الحد من السمنة؛ بل إن الدول الأكثر نجاحاً نجحت في الحد من انتشارها فقط، ولم تتمكن من تقليل الأعداد ولا النسب. والواقع أن المشكلة معقدة للغاية بحيث لا يمكن حلها بتدابير الصحة العامة البسيطة أو أدوية السمنة وحدها.
وتضيف المجلة الأميركية إنه وراء ارتفاع معدلات السمنة يكمن مزيج من العوامل البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية، فالكثير من مناطق العالم تعج بالأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية حتى مع عيش العديد من الناس حياة مستقرة. ولا يمكن إلقاء اللوم على أي عنصر غذائي أو مجموعة غذائية بعينها، ولكن العناصر التي تحتوي على نسب عالية من القمح المكرر والسكر والزيوت النباتية هي التي تسلط عليها الأضواء، كما إن الأطعمة المصنعة بشكل كبير، والتي يمكن الوصول إليها على نطاق واسع وبتكلفة زهيدة نسبياً، هي المثال الأبرز.
ويقول العلماء إن تطور جسم الإنسان يشكل عاملاً مهماً آخر في موضوع السُمنة، حيث إن فقدان الوزن ليس مجرد مسألة تقليل استهلاك المرء للسعرات الحرارية، فقد تكيف الجسم للبقاء على قيد الحياة في المجاعات، وليس في الأعياد، لذا فهو يتمسك بالوزن الذي يكتسبه. ثم يقاوم فقدان الدهون عن طريق تقليل كمية الطاقة التي يحتاجها للبقاء على قيد الحياة وزيادة إشارات الجوع.
ولفت تقرير "إيكونوميست" الى أن الحكومات التي تسعى إلى خفض معدلات السمنة بين الأطفال لا تملك سوى نماذج قليلة يمكن الاستناد إليها، ومن بينها النموذج الهولندي حيث نجحت أمستردام في خفض معدلات الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة من 21% إلى 18.5% بين عامي 2012 و2015، وسعت الحكومة إلى تغيير السلوك الفردي، حيث قدمت دروسا في التغذية للآباء والأطفال في الأحياء الفقيرة، ووضعت الأطفال على خطط الرعاية، وعرضت الرياضات المجانية مثل التزلج على الجليد، وحظرت تناول الوجبات السريعة في المدارس، ولكن النتائج لم تدم طويلا، فقد ارتفعت المعدلات قليلا إلى 18.7% في عام 2017؛ ثم توقفت السلطات البلدية بعد ذلك عن نشر البيانات.
ويخلص تقرير "إيكونوميست" الى التأكيد على أنه لن يكون هناك حل واحد لمكافحة السمنة بين الأطفال، حيث سوف تلعب الضرائب والتنظيم والأدوية المضادة للسُمنة دوراً في هذا، فضلاً عن دور المستهلكين، ويتعين على الحكومات أن تعمل على تقييم التدخلات على المدى الطويل، وينبغي أن يكون الهدف ضمان أن يكون اتخاذ الخيارات الصحية أسهل كثيراً من البدائل.
• إرسال تعليق
• تعليقات المتابعين